الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: «بجبوج» قضى على النداء

نشر في  13 جانفي 2016  (10:15)

«أعترف ـ وبكلّ صراحة ـ أنّ خطب الباجي قايد السبسي أغرّتني قبل انتخابه كما أعجبني برنامج حزبه فاعتبرت انّ من واجبي مناصرته والتصويت أيضا لفائدة حزبه وذلك للتصدّي للمرزوقي وللنّهضة.. كنت ـ مثل مئات الآلاف من النّاخبين، أنتظر الشروع في إرساء نظام ديمقراطي حداثي يضمن قضاء مستقلا واعلاما حرّا وعدالة اجتماعيّة وتنمية الجهات المقصاة والإعلان عن حرب شرسة ضد الارهاب وتوفير مناخ ملائم لنمواقتصادي هام وموزّع بكلّ عدل.
لكن منذ البداية تخلّى الباجي ـ مخطّط سياسة النداء ـ عن وزارات السيادة، وكنت من بين الإعلاميين القلائل الذين تساءلوا عن أسباب ذلك لكن اتّضح انّ رئيس الجمهورية عمد الى التنازل عن تلك الوزارات لأنّه يعتبر في قرارة نفسه انّ فتح ملفّات تجاوزات الترويكا (فرار أبو عياض ـ قتل لطفي نقض ـ أحداث سليانة .. الشبهات المرتبطة بالجرائم السياسيّة ـ الأيمّة الدمويون ـ الجمعيات الخيرية الارهابيّة ـ الأمن الموازي) لن تفتح ما دام هو رئيسا للجمهورية وذلك حفاظا على تقاسم النّفوذ مع حزب النهضة... انّ التخلّي عن هذه الوزارات الحسّاسة كان منطلقا لسياسة التحالف مع الحزب الدّيني وبذلك فُرضت الديمقراطية التوافقية، كما أدّى ذلك إلى تقلّص نفوذ حزب نداء تونس وهكذا عدنا الى نظام الحكم الفردي الذي أضرّ في الماضي سياسيا ببعض مصالح تونس..

لقد عيّن الباجي حكومة محاصصة  تدير شؤون البلاد، ليس لها اي برنامج أو رؤية أو تصوّر مستقبلي لهذه البلاد فدخلت بلادنا في حائط..
إنّ مشكلة رئيس الجمهورية انه استغلّ تصويت النساء والديمقراطيين للفوز بأرفع منصب في الدولة ثم غيّر تماما موقفه وتحالف مع النهضة، وقد نتج عن  ذلك عزوف عدد من النّاخبات والنّاخبين الديمقراطيين عن الاهتمام بالحياة السياسية كما أكّدت ممارسات قايد السبسي أنّه لا يفي بوعوده ولا يمكن ائتمانه على ارساء ديمقراطية الحداثة وحقوق الانسان، بل كان مشروعه الكبير توريث ابنه حافظ لحزب نداء تونس وربّما ترشيحه لاحقا ـ بمساندة النهضة ـ لرئاسة الجمهورية.
أما موضوع نداء تونس وانقسامه الى حزبين، فانّ مؤشرات عديدة كانت توحي به وكنت من بين الأوائل الذين نبّهوا إليه من ذلك عندما رافق حافظ السبسي الباجي الى نزل أمبريال بعد العملية الارهابية بسوسة دون أن تكون له أيّة صفة رسمية تسمح له بالظّهور مع والده، ثم شاهدناه مع أبيه في نهائي كأس تونس لكرة القدم ومنذ أشهر كنت على يقين من انّ الباجي يعدّ نجله لرئاسة  النداء رغم انّ رئيس الجمهورية كرّر عدم امكانية توريث ابنه المدلّل.. والجدير بالملاحظة انّ حافظ ليس له لا الشخصية ولا الكفاءة ولا الكاريزما التي تؤهّله لخلافة الباجي علما أنّ بعض المسؤولين في حزب النداء أعانوه لإقصاء منافسيه طمعا في مناصب وزارية مرتقبة أو خضوعا لبارونات التهريب وأموالهم والذين قرّروا تقسيم النداء خدمة للنهضة وحليفها فجر ليبيا، وللحصول على امتيازات مالية ضخمة فنجحوا في تعيين «حافظ الشبح» مديرا تنفيذيا أي رئيسا مؤقتا للحزب في انتظار مؤتمر يجعل منه مالكا للحزب! لقد حدث انقلاب داخل أهمّ حزب في تونس بفعل تشابك المصالح والطموحات السياسيّة السلبية وسيصبح نداء الباجي «الأخ الأصغر» لحركة النهضة وخادمها رغم كل ما يقال وسيكافئه حزب الغنوشي بمساندة قوية.
وستكشف السنوات المقبلة فشل نداء حافظ واتباعه فهذا الرجل بلا تاريخ نضالي ولا خبرة سياسية، ولا علاقات خارجية له ما عدا زيارته لأوردوغان وهي زيارة مشبوهة!
لقد خيّر الباجي مصالح ابنه على مصالح حزبه ومصالح تونس ولن يذكره التاريخ الاّ كسياسي وعد بالديمقراطية والحداثة ثم تحالف مع حزب ديني ففشل في المساهمة في التأسيس لمجتمع الحرية والعدل.

انّ خطأ الباجي انه يعتبر نفسه «داهية سياسيّة» في حين انّه رئيس وإن كان أفضل بكثير من المرزوقي فانّه محدود الرؤية..
بقي انّ هناك تساؤلات مشروعة حول موقفي سعيد العايدي وناجي جلول ازاء الانقلاب الناعم، مع التذكير بأنّ الطيب البكّوش لم يحضر هذا المؤتمر بسبب عدم احترام خارطة الطريق في حين أكّدت بشرى بلحاج حميدة انّ لها احترازات عديدة على تمليك نداء تونس لحافظ، وأختم بسؤال يخصّ محسن مرزوق الذي غير خطابه اتجاه حزب النهضة تغييرا راديكاليا، فهل سيكون وفيا لوعوده الجديدة وهل سيقبل بالعمل الجماعي ويساهم في ارساء حزب حداثي وتقدّمي؟
لقد قضى بجبوج على حزب النّداء الذي انتخبناه على أساس أنّه حزب جماهيري وذلك بتقسيمه الى أحزاب دفاعا عن مصالح ابنه.. وستؤكّد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة صحّة ما أقوله، علما انّ رئيس الجمهورية لن يترشّح للرئاسية نظرا إلى تقدّمه في السنّ، وهو أمر يمثل أكبر خطر يعيق وضوح الرؤية لدى من يمارس السياسة.